mujaddid
موقع الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب > فتاوى شرعية > الفتاوى والمسائل > من جحد ما جاء به الرسول، وقامت به الحجة، فهو كافر

من جحد ما جاء به الرسول، وقامت به الحجة، فهو كافر

‌المسألة الثالثة

سأله الشيخ عيسى بن قاسم، وأحمد بن سويلم، في أول إسلامهما، عن قول الشيخ تقي الدين: من جحد ما جاء به الرسول، وقامت به الحجة، فهو كافر.

فأجاب بقوله:

إلى الأخوين: عيسى بن قاسم وأحمد بن سويلم، سلام عليكم ورحمة الله.

وبعد، ما ذكرتموه ١ من قول الشيخ: كل ٢ من جحد كذا وكذا، وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم، هل قامت عليهم الحجة أم لا؟ فهذا من العجب العجاب. كيف تشكون في هذا وقد وضحته لكم مرارًا؟ فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية، أو يكون ذلك في مسألة خفية، مثل الصرف والعطف، فلا يكفر حتى يعرّف. وأما أصول الدين التي أوضحها الله ٣ في كتابه، فإن حجة الله هي القرآن؛ فمن بلغه فقد بلغته الحجة.

ولكن أصل الإشكال: أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وفهم الحجة ٤؛ فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله، مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ٥.وقيام الحجة وبلوغها نوع، وفهمهم إياها نوع آخر، وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها نوع آخر١. فإن أشكل عليكم ذلك، فانظروا قوله في الخوارج: أينما لقي فاقتلوهم ٢، وقوله: شر قتلى تحت أديم السماء ٣، مع كونهم في عصر الصحابة، ويحقر الإنسان عمل الصحابة معهم، ومع إجماع الناس أن الذي أخرجهم من الدين هو التشدد والغلو ٤ والاجتهاد٥، وهم يظنون أنهم مطيعون لله؛ وقد بلغتهم الحجة، ولكن لم يفهموها.

وكذلك قتل علي الذين اعتقدوا فيه وتحريقهم بالنار، مع كونهم تلاميذ الصحابة، ومع عبادتهم وصلاحهم وصيامهم؛ وهم أيضاً يظنون أنهم على حق. وكذلك إجماع السلف على تكفير ناس من غلاة القدرية وغيرهم، مع كثرة علمهم وشدة عبادتهم، مع كونهم ٦ يظنون أنهم يحسنون صنعًا. ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم، لأجل أنهم لم يفهموا، فإن هؤلاء كلهم لم يفهموا.

إذا علمتم ذلك، فهذا الذي أنتم فيه، وهو: الشك في كفر ٧ أناس يعبدون الطواغيت، ويعادون دين الإسلام، ويزعمون أنه ردة، لأجل أنهم ما فهموا، كل هذا أظهر وأبين مما تقدم، إلا الذين حرقهم علي فإنهيشابه هذا.

وأما إرسال كلام الشافعية أو غيرهم، فلا يتصور أن ١ يأتيكم أوضح مما أتاكم. فإن كان عليكم بعض الإشكال، فارغبوا إلى الله أن يزيله عنكم.

وأيضاً، ذكر لي محمد بن سلطان ٢، أنه جرى عندكم مسألتان:

الأولى: صورة المقاصة، يريد بعض الناس أن يحتال على المنهيِّ عنه من بيع الطعام قبل قبضه، ويقول للشخير ٣ إذا جاء بدراهم التمر: بعها علي بتمر قدر الذي في ذمته; ثم يتساقطان، ويجعل هذه من المقاصة المباحة. وكذلك ذكروا إذا اشترى منه سلعة، وشرط عليه أن يوفيه بها، صح العقد وفسد الشرط، أن بعض الناس يريد أن يجعل هذه الحيلة إلى قلب الديْن الذي في ذمته ديْناً آخر، وينسب الصحة إلى الإقناع والمنتهى؛ وهما من أشد الناس كلامًا وتحريمًا لمثل هذا، حتى إنهما يحرمان صورًا مع كون المتعاقدين ٤ لم يقصدا الحيلة، لئلا يتخذ ذريعة مثل العينة وغيرها. وأنا ذكرت لكم مراراً: إذا ادعى أحد في هذا وأمثاله الجواز، فاسألوا عن الحيل المحرمة التي هي مخادعة لله، ما معناها؟ وما صورتها؟

مثال ذلك: أنك لو تسألني عن رجل اشترى منك سلعة بعشرين مشخصًا وهي تساوي العشرين ثيابًا أو طعامًا أو غيرهما قلت لك: هذا صحيح بالإجماع. فإذا سألتني عن إبرائه من عشرين المشخص بعد ما ثبتت في ذمته، قلت: هذا من الإحسان بالإجماع. فإذا قلت: إنه لم يشتر منيولم أبرئه إلا لأنه يريد أن يقرضني مائتي مشخص بربح عشرين، وقال لي: هذا ربا لا يصح، ولكن بعني سلعة تساوي عشرين، ثم بعد ذلك أبرئني منها، قلت لك: هذا صريح الربا، والمخادعة لله بلا شك. وكذلك أشباه هذه الصورة.

فالذي يجعل التحيل على بيع الطعام قبل قبضه من المقاصة، أو يجعل بيع السلعة ليوفيه بها حيلة إلى حل ١ كون رأس مال السلم ٢ ديناً، مع تصريحهم بتحريمه بلا هذه الحيلة، اسألوه: ما الفرق بين هاتين الصورتين وبين تلك؟ فإنه لا يجد فرقًا إلا بالمكابرة. وهنا فائدة ينبغي التنبه لها، وهي: أن الحيل على الربا قد نشأتم عليها أنتم ومشايخكم، ويسمونها: التصحيح؛ والأمور التي نشأ الإنسان عليها صعب عليه مفارقتها بالكلية، والاستجابة لله والرسول. وترك مذهب الآباء وما عليه المشايخ أمر عظيم ٣ لا يوافق عليه أكثر الخلق. فأمر الحيل ومسائله مثل أمر الشرك، فكما أنكم لم تفهموا الشرك أول مرة ولا ثانية ولا ثالثة، ولم تفهموه كله إلى الآن، كذلك الحيل، لأجل نشأتكم عليها؛ وتسميتها: التصحيح، تحتاج منكم إلى نظر وفطنة. فأكثروا التدبر لها، والمطالعة والتمثيل، في إغاثة اللهفان، وغيرها. والله أعلم.

الكتاب: فتاوى ومسائل (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الرابع). 
المؤلف: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (ت ١٢٠٦هـ).
المحقق: صالح بن عبدالرحمن الأطرم، محمد بن عبدالرزاق الدويش.
الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية.
عدد الصفحات: ١٢٩

 
 
تحميل الكتاب
شارك المحتوى عبر