المسألة الثانية
سألني الشريف عما نقاتل عليه، وعما نكفّر الرجل به ١، فأخبرته بالصدق، وبينت له الكذب الذي يبهت ٢ به الأعداء؛ فسألني أن أكتب له.
فأقول: أركان الإسلام الخمسة، أولها: الشهادتان، ثم الأركان الأربعة. فالأربعة، إذا أقرّ بها وتركها تهاوناً، فنحن – وإن قاتلناه على فعلها – فلا نكفّره بتركها؛ والعلماء اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود. ولا نقاتل إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو: الشهادتان. وأيضاً، نكفّره بعد التعريف إذا عرف وأنكر؛ فنقول: أعداؤنا معنا ٣ على أنواع:
النوع الأول: من عرف أن التوحيد دين الله ورسوله الذي أظهرناه للناس، وأقر أيضاً أن هذه الاعتقادات في الحجر والشجر والبشر الذي هو دين غالب الناس – أن ٤ الشرك بالله الذي بعث الله رسوله ينهى عنه ويقاتل أهله ليكون الدين كله لله – ومع ذلك لم يلتفت إلى التوحيد، ولا تعلمه،ولا دخل فيه، ولا ترك الشرك؛ فهذا كافر نقاتله بكفره، لأنه عرف دين الرسول فلم يتبعه، وعرف دين الشرك فلم يتركه، مع أنه لا يبغض دين الرسول ولا من دخل فيه، ولا يمدح الشرك ولا يزينه للناس.
النوع الثاني: من عرف ذلك كله، ولكنه تبين في سب دين الرسول مع ادعائه ١ أنه عامل به، وتبين في مدح من عبد يوسف والأشقر ٢ ومن عبد أبا علي والخضر من أهل الكويت، وفضلهم على من وحّد، وترك الشرك؛ فهذا أعظم من الأول، وفيه قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ ٣، وهو ممن قال الله فيه: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾ ٤.
النوع الثالث: من عرف التوحيد وأحبه واتبعه، وعرف الشرك وتركه، ولكن يكره من دخل في التوحيد، ويحب من بقي على الشرك؛ فهذا أيضاً كافر، وهو ممن ورد فيه قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ ٥.
النوع الرابع: من سلم من هذا كله، ولكن أهل بلده مصرحون بعداوة التوحيد، واتباع أهل الشرك، وساعون ٦ في قتالهم، ويتعذر أن تركه وطنهيشق عليه؛ فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده ويجاهد بماله ونفسه؛ فهذا أيضاً كافر. فإنهم لو يأمرونه بترك صوم رمضان ولا يمكنه الصيام إلا بفراقهم فعل، ولو يأمرونه بتزوج امرأة أبيه ولا يمكنه ذلك إلا بمخالفتهم فعل، وموافقتهم على الجهاد معهم بنفسه وماله، مع أنهم يريدون بذلك قطع دين الله ورسوله، أكبر من ذلك بكثير (كثير) ١. فهذا أيضاً كافر، وهو ممن قال الله فيهم: ﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً﴾ ٢. فهذا الذي نقول.
وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وأنا نكفّر من لم يكفّر ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه. فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله. وإذا كنا لا نكفّر مَن عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم وعدم من ينبههم ٣، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا، ولم يكفّر ويقاتل؟ ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ ٤. بل نكفّر تلك الأنواع الأربعة لأجل محادتهم لله ورسوله. فرحم الله أمرأً نظر لنفسه، وعرف أنه ملاق الله الذي عنده الجنة والنار. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
١ في طبعة الأسد: تقديم (به) على (رجل) ، وكذا في طبعة أبا بطين.
٢ في طبعة الأسد: (فأجبته وبينت له أيضاً الكذب الذي بهت) ، وكذا في طبعة أبا بطين.
٣ في طبعة الأسد: بدون (معنا) ، وكذا في طبعة أبا بطين.
٤ في طبعة الأسد: (هي الشرك) ، وكذا في طبعة أبا بطين.
١ في طبعة أبا بطين: (مع أعدائه) .
٢ في طبعة أبا بطين: (والأشعري) .
٣سورة البقرة آية: ٨٩.
٤ سورة التوبة آية: ١٢.
٥ سورة محمد آية: ٩.
٦ في المخطوطة: (وساعين) بالياء.
١ في المطبوعة: (أكثر ممن ذكز لكثير) ، وهو خطأ واضح. والتصويب والزيادة من المخطوطة: عبارة ناصر الدين الأسد.
٢ سورة النساء آية: ٩١.
٣ في طبعة أبا بطين: وعدم من يفهمهم.
٤ سورة النور آية: ١٦.
الكتاب: فتاوى ومسائل (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الرابع).
المؤلف: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (ت ١٢٠٦هـ).
المحقق: صالح بن عبدالرحمن الأطرم، محمد بن عبدالرزاق الدويش.
الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية.
عدد الصفحات: ١٢٩