بسم الله الرحمن الرحيم
الذي يعلم من وقف عليه من الإخوان المتبعين محمدًا ﷺ أن ابن صياح سألني عما ينسب إليَّ، فطلب مني أن أكتب الجواب، فكتبته:
الحمد لله رب العالمين. أما بعد، فما ذكره المشركون على أني أنهى عن الصلاة على النبي، أو أني أقول: لو أن لي أمرًا هدمت قبة النبي ﷺ، أو أني أتكلم في الصالحين، أو أنهى عن محبتهم، فكل هذا كذب وبهتان، افتراه علي الشياطين الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل، مثل أولاد شمسان، وأولاد إدريس، الذين يأمرون الناس ينذرون لهم، وينخونهم ويندبونهم، وكذلك فقراء الشيطان، الذين ينتسبون إلى الشيخ عبد القادر، ﵀، وهو منهم بريء كبراءة علي بن أبي طالب من الرافضة.
فلما رأوني آمر الناس بما أمرهم به نبيهم ﷺ: أن لا يعبدوا إلا الله، وأن من دعا عبد القادر فهو كافر وعبد القادر منه بريء، وكذلك من نخا الصالحين أو الأنبياء، أو ندبهم أو سجد لهم، أو نذر لهم أو قصدهم بشيء من أنواع العبادة التي هي حق الله على العبيد. وكل إنسان يعرف أمر الله ورسوله لا ينكر هذا الأمر، بل يقرّ به ويعرفه.
وأما الذي ينكره فهو بين أمرين: إن قال: إن دعوة الصالحين واستغاثتهم، والنذر لهم وصيرورة الإنسان فقيرًا لهم، أمر حسن، ولو ذكر الله ورسوله، أنه كفر؛ فهو مصر بتكذيب الله ورسوله، ولا خفاء في كفره؛ فليس لنا معه كلام. وإنما كلامنا مع رجل يؤمن بالله واليوم الآخر، ويحب ما أحب الله
ورسوله، ويبغض ما أبغض الله ورسوله؛ لكنه جاهل قد لبست عليه الشياطين دينه، ويظن أن الاعتقاد في الصالحين حق؛ ولو يدري أنه كفرٌ يدخل صاحبه في النار، ما فعله.
ونحن نبين لهذا ما يوضح له الأمر، فنقول: الذي يجب على المسلم: أن يتبع أمر الله ورسوله، ويسأل عنه. والله سبحانه أنزل القرآن، وذكر فيه ما يحبه ويبغضه، وبين لنا فيه ديننا؛ وكذلك محمد ﷺ أفضل الأنبياء. فليس على وجه الأرض أحد أحب إلى أصحابه منه؛ وهم يحبونه على أنفسهم وأولادهم، ويعرفون قدره، ويعرفون أيضًا الشرك والإيمان.
فإن كان أحد من المسلمين في زمن النبي ﷺ قد دعاه، أو نذر له أو ندبه، أو أحد من أصحابه جاء عند قبره بعد موته يسأله أو يندبه، أو يدخل عليه للالتجاء له عند القبر، فاعرفْ أن هذا الأمر صحيح حسن، ولا تطعني ولا غيري، وإن كان إذا سألت إذا أنه ﷺ تبرأ ممن اعتقد في الأنبياء والصالحين، وقتلهم وسباهم وأولادهم، وأخذ أموالهم، وحكم بكفرهم، فاعرفْ أن النبي ﷺ لا يقول إلا الحق؛ والواجب على كل مؤمن اتباعه فيما جاء به.
وبالجملة، فالذي أنكره: الاعتقاد في غير الله مما لا يجوز لغيره. فإن كنتُ قلته من عندي فارم به، أو من كتاب لقيته ليس عليه عمل فارم به كذلك، أو نقلته عن أهل مذهبي فارم به، وإن كنت قلتُه عن أمر الله ورسوله، وعما أجمع عليه العلماء في كل مذهب، فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرض عنه لأجل أهل زمانه أو أهل بلده، وإن أكثر الناس في زمانه أعرضوا عنه.
واعلم أن الأدلة على هذا من كلام الله وكلام رسوله كثيرة، لكن أنا أمثل لك بدليل واحد، ينبهك على غيره: قال الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِن دُونِهِ
فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ ولا تَحْوِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أيُّهُمْ أقْرَبُ} ١ الآية. ذكر المفسرون في تفسيرها أن جماعة كانوا يعتقدون في عيسى، عليه السلام، وعزير، فقال تعالى: هؤلاء عبيدي كما أنتم عبيدي، ويرجون رحمتي كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي.
فيا عباد الله، تفكروا في كلام ربكم تبارك وتعالى! إذا كان ذكر عن الكفار الذين قاتلهم رسول الله ﷺ أن دينهم الذي كفّرهم به هو: الاعتقاد في الصالحين، وإلا فالكفار يخافون الله ويرجونه، ويحجون ويتصدقون، ولكنهم كفروا بالاعتقاد في الصالحين، وهم يقولون: إنما اعتقدنا فيهم ليقربونا إلى الله زلفى، ويشفعوا لنا، كما قال تعالى: ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى﴾ ٢، وقال تعالى: ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ ولا يَنْفَعُهُمْ ويَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ﴾ ٣.
فيا عباد الله، إذا كان الله ذكر في كتابه أن دين الكفار هو: الاعتقاد في الصالحين، وذكر أنهم اعتقدوا فيهم ودعوهم وندبوهم لأجل أنهم يقربوهم إلى الله زلفى، هل بعد هذا البيان بيان؟ فإذا كان من اعتقد في عيسى بن مريم مع أنه نبي من الأنبياء، وندبه ونخاه، فقد كفر، فكيف بمن يعتقدون في الشياطين كالكلب أبي حديدة، وعثمان الذي في الوادي، والكلاب الأخر في الخرج، وغيرهم في سائر البلدان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله؟! وأنت، يا من هداه الله، لا تظن أن هؤلاء يحبون الصالحين؛ بل هؤلاء أعداء
الصالحين. وأنت، والله، الذي تحب الصالحين، لأن من أحب قومًا أطاعهم. فمن أحب الصالحين وأطاعهم، لم يعتقد إلا في الله، وأما من عصاهم ودعاهم يزعم أنه يحبهم، فهو مثل النصارى الذين يدعون عيسى ويزعمون محبته، وهو بريء منهم، ومثل الرافضة الذين يدعون علي بن أبي طالب، وهو بريء منهم.
ونختم هذا الكتاب بكلمة واحدة، وهي أن أقول: يا عباد الله، لا تطيعوني ولا تفكروا ١، واسألوا أهل العلم من كل مذهب عما قال الله ورسوله. وأنا أنصحكم: لا تظنوا أن الاعتقاد في الصالحين مثل الزنى والسرقة، بل هو عبادة للأصنام، مَن فعله كفر، وتبرأ منه رسول الله ﷺ. يا عباد الله، تفكروا وتذكروا. والسلام.
١ سورة الإسراء آية: ٥٦-٥٧.
٢ سورة الزمر آية: ٣.
٣ سورة يونس آية: ١٨.
١ لعلها: (وتفكروا).